بعد المعارك الضارية بين الدعم السريع والقوات المسلحة.. هل ينجح الجيش السوداني في استعادة الخرطوم؟
أكد الجيش السوداني، خلال الأيام القليلة الماضية، أنه قام باستعادة العديد من المناطق، التي كانت تسيطر عليها قوات الدعم السريع في العاصمة الخرطوم، في الوقت ذاته يعلن الدعم السريع سيطرته على مناطق كانت بقبضة الجيش في دارفور. ما حقيقة ما يجري في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع.. وهل الانتصارات التي أعلن عنها الجيش يمكن أن تكبح جماح الدعم وتجبره على التفاوض أم أن هناك حربا إعلامية يجري إدارتها من الطرفين لكسب الجماهير، التي تعيش حياة البؤس والشقاء في مناطق ومعسكرات النزوح؟
بداية، يقول عثمان ميرغني، الكاتب والمحلل السياسي السوداني، أنه "خلال الأيام الماضية، تقدم الجيش بصورة جيدة على بعض المحاور، منها محور بحري ويتحرك الآن حتى وصل إلى مدينة الخرطوم بحري الرئيسية، هذه المنطقة كانت تسيطر عليها قوات الدعم السريع بصورة قوية جدا، وكانت تمثل نقطة مركزية تستطيع من خلالها قصف مدينة أم درمان على الضفة الأخرى من نهر النيل".
انتصارات الجيش
وأضاف: "منطقة بحري اليوم استعادتها قوات الجيش السوداني وأحكمت السيطرة عليها تماما، كما قامت بفتح الجسر الرابط بين أم درمان وبحري (جسر الحلفايا)، وأصبح هناك تواصل بين المناطق العسكرية للجيش على ضفتي النيل، بل تمدد الجيش شرقا إلى المنطقة العسكرية في حطاب، والتي يمسك بها الجيش منذ بداية الحرب، لكنه لم يكن يستطيع التحرك أو التمدد خارجها، لكنها الآن التحمت مع باقي القوات".
وتابع ميرغني: "أعتقد أن الوضع الآن، يعني وفقا لما جرى خلال الأيام الماضية وحتى الآن (بداية النهاية لقوات الدعم السريع)، إذا ما تم الربط بين ما يجري في الخرطوم ودارفور، حيث كانت نقطة الضعف لدى الجيش والحكومة هي دارفور، الآن أصبح إقليم دارفور هو نقطة القوة بيد الجيش السوداني والقوات المشتركة التي استطاعت الصمود لمدة تزيد عن سبعة أشهر في مدينة الفاشر واستنزاف قوات الدعم السريع بصورة كبيرة جدا".
معركة الفاشر
وأشار المحلل السياسي إلى أن "معركة الفاشر شهدت مقتل أكبر عدد من قيادات الصف الأول في الدعم السريع، واستنزف الجيش عددا كبيرا منهم بشريا وتسليحيا، وبعدما كانت قوات الجيش معنية بالدفاع فقط تحولت إلى الهجوم وتقترب من منطقة الجنينة وهي أقصى نقطة غرب السودان يتم من خلالها تهريب الأسلحة وجلب المرتزقة من خارج البلاد، وتكاد منطقة الجنينة في تلك اللحظات أن تقع بيد القوات المسلحة والجيش السوداني".
وأكد ميرغني أن "كل التطورات التي تجري اليوم على الأرض أعتقد أنها جاءت في المناطق الأكثر حساسية والتي تتحكم في ميدان المعركة، وفي تقديري أن الجيش يخطو بصورة جديدة جدا نحو بوابة الخروج من الحرب".
تغير الأوضاع
وحول ما يتردد بأن تقدم الجيش على الأرض، في الآونة الأخيرة، وتحقيق انتصارات على قوات الدعم السريع وإمكانية تأثير ذلك على مساعي السلام، يقول ميرغني: "انتصار الجيش السوداني يقرب المسافة للتفاوض وإنهاء الحرب، لأن الدعم السريع، خلال الفترة الماضية، عندما كان يعتقد أن الأوضاع الميدانية على الأرض لصالحه لم يكن جادا في التفاوض وإن كان يعلن القبول بالتفاوض من أجل تحسين الصورة الذهنية عنه لدى المجتمع الدولي، والوضع الآن تغير جدا وقد يشكل بيئة جيدة للوصول إلى اتفاق سلام ووقف الحرب، فالانتصار العسكري فقط لا يحقق الأمن والاستقرار". في المقابل تقول السياسية السودانية، لنا مهدي، إن "موقف قوات الدعم السريع السياسي والعسكري لم يتراجع في ظل ما تواتر من أنباء معروفة المصدر من انتصارات في الخرطوم لم يتم إثباتها". وأضافت في حديثها : "في الوقت الذي نشرت فيه قوات الدعم السريع فيديوهات تثبت فيه أن المزاعم بتراجعها عارية من الصحة، وجدنا تصريحات أخرى مناقضة تتحدث عن انتصارات جرى التسويق لها إعلاميا". وأشارت مهدي إلى أن "الدعم السريع في الجبهة الغربية قضى على كل محاولات الجيش والقوات المشتركة لإيجاد موطئ قدم في الصحراء الشمالية، بل أصبحت العديد من اللوجستيات مغنم لقوات الدعم السريع".
وقالت مهدي إن "المعارك لا تزال دائرة في العديد من المناطق وفي ولاية غرب دارفور، حيث سيطر الدعم السريع على معسكر أبو سروج التابع للجيش والقوات المشتركة في غرب دارفور".
تحول كبير
ويقول الفريق جلال تاور، الخبير العسكري والاستراتيجي السوداني، إن "الإشارة التي بعثت بها القوات المسلحة بعد استعادة تلك المناطق في بحري، تقول إن ما أُخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة، وأن الجيش السوداني قادر بإمكانياته وقدراته وخبرته التراكمية التي تقارب المئة عام، قادر على إعادة تموضعه والسيطرة أو الإمساك بزمام المبادرة". وأضاف في حديث سابق: "ما تحقق خلال الأيام الماضية هو التحول إلى الهجوم والسيطرة على ثلاث كباري استراتيجية في بحري وكذا السيطرة على عدد من الكباري الداخلية، ولم يتبق أمام الجيش السوداني سوى اثنين من الكباري فقط، وتلك العمليات لها نتائج كبيرة جدا وتظهر في بحري بشكل خاص (من أبو حليمة إلى موقف شندي) بالقرب من سلاح الإشارة، هذا كله أصبح تحت سيطرة الجيش، وأيضا تمت السيطرة فعليا على العديد من المناطق". وأوضح تاور إن "المشكلة الآن في مصفاة الجيلي النفطية والتي بها خمسة أبواب، والهجوم الأخير مكن الجيش من السيطرة على ثلاث بوابات والبوابتين الأخريين فيهما أماكن الشركات وهيكل المصفى فقط، ويجري حتى اللحظة قتال عنيف للسيطرة على هاتين المنطقتين، وأهم شيء مفيد في تلك العملية أن المصفاة محاصرة ولا يمكن خروج الوقود منها إلى قوات الدعم السريع المنتشرة في الجزيرة، كما أن من نتائج عملية القوات المسلحة الأخيرة أنها استطاعت تخليص المواطنين المحتجزين كأسرى لدى الدعم السريع في المناطق التي تمت استعادتها".
وأعلن الجيش السوداني،في وقت سابق سيطرته بشكل كامل على حي في مدينة بحري المتاخمة للعاصمة السودانية الخرطوم شمالا، وهي المدينة التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع منذ بدء الحرب منتصف أبريل/نيسان 2023. ويشار إلى أن مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك، قد حذر من "الخطر الكبير" لأعمال العنف في السودان، فيما أعرب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش عن "قلق بالغ إزاء التصعيد في السودان". وكان رئيس مجلس السيادة السوداني، عبد الفتاح البرهان، قد أكد في أغسطس/ آب الماضي، أن الحرب لن تتوقف ما لم تتم تلبية مطالب الجيش، أبرزها انسحاب الدعم السريع من المدن لاسيما الخرطوم، وتسليم السلاح. وتتواصل المعارك بين قوات الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ منتصف أبريل 2023، ما أسفر عن نحو 13 ألفا و100 قتيل، فيما بلغ إجمالي النازحين في السودان نحو 7.9 مليون شخص، ونحو 2.1 مليون شخص إلى دول الجوار، بحسب بيانات الأمم المتحدة.