مؤتمر الحوار الوطني السوري يعقد فعالياته في دمشق... الرئيس الشرع: سوريا لا تقبل القسمة وعلينا مواجهة من يريد العبث بأمننا ووحدتنا

أكد رئيس الجمهورية العربية السورية السيد أحمد الشرع أن سوريا كل متكامل لا تقبل القسمة، وأن السلم الأهلي واجب على أبناء الوطن جميعاً، وأن الدعوات المشبوهة التي تستدعي حالة الخطر لطوائفَ ما وتَعرض نفسها الحامية المنقذة، هي دعوات فارغة لا تنطلي على الوعي السوري. وقال الرئيس الشرع في كلمة اليوم خلال افتتاح مؤتمر الحوار الوطني: لقد مر التاريخ السوري عبر قرن من الزمن بتحديات وتحولات عدة، فمن مرحلة الاستعمار إلى التيه السياسي، مروراً بالوحدة ثم حزب البعث إلى حكم الأسدين، وقد تحملت سوريا خلال هذه الحقبة أوجاعاً وآلاماً شتى، اجتماعية واقتصادية وسياسية ونفسية ومعنوية وغيرها، فقد نهشتها الضباع وأوغلت في دمائها، ثم أتت الثورة السورية المباركة، ثم النصر المبين والفتح العظيم. وأضاف الرئيس الشرع: أُنقذت سوريا من الهلاك، أُنقذت لكنها مثقلة بالجراح، وهي اليوم في غرفة الإنعاش تقف بين أيديكم فرحة، لكنها جريحة متألمة تناديكم لتقفوا جميعاً متحدين متعاونين لمداواتها وتضميد جراحها ومواساتها، وكلها ثقة بكم أنكم لن تخذلوها بعد اليوم، ولن تغفلوا عنها، وستسهرون لحمايتها وبنائها وازدهارها. وتابع الرئيس الشرع: إن سوريا اليوم دعتكم جميعاً لا لتختلفوا بل لتتفقوا، دعتكم للتشاور في مستقبل بلدكم وأمتكم والأجيال اللاحقة بكم، فالأحداث الجارية عنوان لمرحلة تاريخية جديدة تسطرونه بأناملكم وتبنونه بأيديكم وتعلمونه لأبنائكم، لقد عادت سوريا اليوم لأهلها بعد أن سُرقت على حين غفلة من أبنائها، فاحفظوا أمانتكم واحرسوا وديعتكم وأدّوا الذي عليكم، فأعظم علاج لسوريا اليوم هو الإحساس بها وبأوجاعها، والشعور بها وبآلامها، فلك الله يا شام، لك الله يا شام. وقال الرئيس الشرع: نحن أمة خلقنا أحراراً، تعلمنا في ديننا الشجاعة والصبر والكرم والأخلاق الحميدة، واستعملناها في كل نزال، فلسنا نجيد البكاء على الأطلال، ولسنا نجيد اللطم والعويل، بل نحن أمة نعمل بجد، وإذا قلنا فعلنا، وإذا أؤتمنا أدّينا، وإذا وعدنا وفينا بعون الله، نقتلع الشوك بأيدينا، نجابه الصعاب، نقتحم العواصف، نواجه ولسنا نلين ولا نستكين، فنحن أهل الشام ..نحن أهل الشام ..أهل هذه الأرض ومادتها. ولفت الرئيس الشرع إلى أنه يليق بنا اليوم ونحن أمام هذه المسؤولية العظيمة أن نراعي أننا بمرحلة إعادة بناء الدولة من جديد، مع كل ما لحق بها من خراب ودمار، وأن هذه المرحلة ذات خصائص حرجة، ولها ميزات تختلف عن دولة ذات نظام مستمر يعقبه الأشخاص ويبقى النظام، فوحدة السلاح واحتكاره بيد الدولة ليس رفاهية بل هو واجب وفرض. وشدد الرئيس الشرع على أن سوريا لا تقبل القسمة، فهي كُلٌّ متكامل، وقوتها في وحدتها، وهي تعاني من تدمير ممنهج لاقتصادها وخدماتها الأساسية، لكن عوامل نهضتها تكمن بداخلها، وهي بحاجة لخطة إسعافية، ثم أخرى متوسطة ثم إستراتيجية، وعلينا أن نحول نكباتها إلى فرص استثمارية حية، وأن نبني دولتنا على القانون، وأن يُحترم القانون من قبل واضعيه حتى يحترمه الناس، وعلينا التحلي بالصبر وألا نحمل سوريا أكثر مما تطيق. وأشار الرئيس الشرع إلى أن سوريا بحاجة إلى قرارات جريئة تعالج مشكلاتها علاجاً حقيقياً ولو كانت مؤلمة وصادمة، فسوريا تراجعت عن محيطها الإقليمي والدولي، وعليها أن تسارع للحاق وينبغي اتخاذ الخطوات المناسبة لذلك، موضحاً أن السلم الأهلي واجب على أبناء الوطن جميعاً، إن الدعوات المشبوهة التي تستدعي حالة الخطر لطوائفَ ما وتَعرض نفسها الحامية المنقذة، هي دعوات فارغة لا تنطلي على الوعي السوري، فسوريا مدرسة في العيش المشترك يتعلم منها العالم أجمع، ولم يزل النظام البائد يخوف الناس من الفناء، حتى ظهر كذبه بأيام. وبين الرئيس الشرع أن النصر الذي تحقق، وفرحة السوريين قد ساءت أقواماً هنا وهناك، ويسعون لتقويض منجزات الشعب، فعلينا أن نكون حذرين ونواجه بصلابة وقوة وحزم أيَّ من يريد العبث بأمننا ووحدتنا، لافتاً إلى أن نظام الحكم لأيّ بلد يتفق اتفاقاً وثيقاً مع المرحلة التاريخية السابقة لإقراره، والثقافة العميقة والأصيلة لأهل البلد، فلا ينبغي استيراد أنظمة لا تتلاءم وحال البلد، ويجب الابتعاد عن تحويل المجتمعات إلى حقول تجارب لتنفيذ أحلام سياسية غير مناسبة. وقال الرئيس الشرع: عملنا خلال الشهرين الماضيين على ملاحقة مرتكبي الجرائم بحق السوريين، وسنعمل على تشكيل هيئة للعدالة الانتقالية ترد الحقوق للناس وتنصفهم وتقدم المجرمين للعدالة، كما سعينا خلال معركة التحرير وبعدها لحقن الدماء، وعدم هدم الحواضر، واستعملنا في ذلك طرائق متعددة، وكل ذلك ليتسنى للسوريين أن يجلسوا مع بعضهم ويعيدوا بناء بلدهم، ولعل البعض قد ساءه بعض هذه الطرائق، فكما قبلتم منا هذا النصر، فأرجوا متكرمين أن تقبلوا منا طرائقه، كما أن سوريا حررت نفسها بنفسها، فإنه يليق بها أن تبني نفسها بنفسها، فنحن قوم كرام لا نعرف معنىً للاستجداء والذل والهوان. وأشار الرئيس الشرع إلى أن الشعوب الحية هي الشعوب التي تحمل رصيداً وافراً من القيم الأخلاقية، فما إن تمسكت بها نجت، وما إن تخلت عنها فشلت، وينبغي النظر لإصلاح ما هدمه النظام الساقط في البنية الأخلاقية والقيمية في مجتمعنا، مؤكداً أن ما نعيشه اليوم فرصة استثنائية تاريخية نادرة علينا استغلال كل لحظة فيها، بما يخدم مصالح شعبنا وأمتنا ويليق بتضحيات أبنائها. وتوجه الرئيس الشرع في ختام كلمته بالشكر للجنة التحضيرية والحضور ولجميع من ساهم وشارك، ولكل الشعب السوري ومن وقف معه، قائلاً: أعانكم الله وأكرمكم وكتب الخير على أيديكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بمشاركة واسعة… مؤتمر الحوار الوطني السوري يعقد فعالياته في دمشق
بمشاركة واسعة، انعقد اليوم مؤتمر الحوار الوطني السوري، الذي يهدف إلى وضع أسس المرحلة المقبلة، وصياغة رؤية وطنية تعكس تطلعات جميع السوريين. ويتضمن برنامج اليوم من فعاليات المؤتمر عقد جلسات لورشات العمل، إضافة إلى الجلسة الختامية، التي تشمل الاجتماع العام والمناقشة، وقراءة البيان الختامي والكلمة النهائية. وخلال كلمة له في افتتاح المؤتمر، أكد وزير الخارجية والمغتربين أسعد الشيباني أن سوريا عملت بعد التحرير وفق سياسة خارجية متزنة، تقوم على الانفتاح والحوار والدبلوماسية الفاعلة، مرتكزة على مبادئها الثابتة باحترام السيادة الوطنية، والتعامل مع الآخرين على أساس المصالح المشتركة، وذلك بعد أن واجهت سابقاً ظروفاً استثنائية لم تقتصر على حرب ممنهجة من قبل النظام المجرم، بل امتدت إلى محاولات العزل السياسي والاقتصادي. وقال الشيباني: ” لقد كان نهجنا واضحاً من البداية، سوريا جزء لا يتجزأ من محيطها، وهي تؤمن بأن العمل الإقليمي والدولي هو السبيل لمواجهة التحديات التي تهدد دولنا وشعوبنا، ومن هذا المنطلق، شهدت المرحلة الماضية حضور سوريا في مؤتمرات دولية مهمة كمؤتمر الرياض ودافوس وباريس وميونخ والقمة العالمية للحكومات في الإمارات العربية المتحدة ومؤتمر العلا في المملكة العربية السعودية، وسنشارك خلال الأيام القادمة في القمة العربية الوزارية ثم الرئاسية، إضافة إلى زيارة واستقبال كل الدول الفاعلة في المنطقة والعالم، وهذا ما يشكل خطوة مهمة في مسار استعادة الدور السوري الفاعل على المستوى الإقليمي والدولي”. وأضاف الشيباني: “نجحنا من خلال الدبلوماسية الفاعلة والتواصل المستمر مع الدول الصديقة في تعليق بعض العقوبات وتخفيف آثارها، عبر تعزيز التعاون الاقتصادي مع دول حليفة، والبحث عن بدائل تساهم في تحقيق الاستقرار الاقتصادي للشعب السوري، حيث كنا واضحين في مواقفنا بأن هذه العقوبات غير شرعية، ولا تستند إلى أي أساس قانوني أو أخلاقي، بل تستخدم كأداة للضغط على إرادة الشعب السوري، وهو ما أدركته العديد من الدول التي بدأت مراجعة سياساتها تجاه سوريا. وتابع الشيباني: “السياسة الخارجية لسوريا الجديدة تتركز على التوازن والانفتاح، من خلال تطوير علاقات متينة مع الدول التي احترمت سيادتها، من دون أن تغلق باب الحوار مع أي طرف يرغب في إعادة بناء علاقاته معها على أساس الاحترام المتبادل، إضافة إلى التمسك بالثوابت الوطنية، فلم ولن نقبل بأي مساس بسيادتنا أو استقلال قرارنا الوطني، وسنبقى نعمل وفق سياسة تحفظ مصالح الشعب السوري بعيداً عن أي ضغوط أو إملاءات خارجية”. وأشار الشيباني إلى أن سوريا تركز على تعزيز التعاون الإقليمي والدولي، لأنها تؤمن بأن الأمن والاستقرار فيها ينعكس إيجابا على المنطقة والعالم، ولهذا واصلت جهودها في تعزيز التعاون مع شركائها بالمنطقة في القضايا الأمنية والسياسية والاقتصادية، إلى جانب العمل على إعادة الإعمار ورفع العقوبات، والسعي لبناء شراكات حقيقية مع الدول الراغبة بالمساهمة في إعادة إعمار سوريا، وفتح آفاق جديدة للاستثمار والتعاون في مختلف المجالات. وأكد الشيباني أن سوريا التي واجهت التحديات وصمدت، قادرة اليوم على إعادة بناء علاقاتها، بما يحقق مصالح شعبها ويعيد لها دورها الريادي في المنطقة، مجدداً التأكيد على استمرار العمل الدبلوماسي الجاد مع كل الدول التي تؤمن بالحوار والتعاون من أجل مستقبل أكثر استقراراً وعدلاً للشعب السوري وشعوب المنطقة. من جهته، قال رئيس اللجنة التحضيرية للمؤتمر ماهر علوش: استكمالاً لمؤتمر النصر الذي أعلن انتصار الثورة السورية العظيمة على نظام الاستبداد، يأتي مؤتمر الحوار الوطني الذي نجتمع من أجله اليوم، حيث بدأت عملية الحوار بين السوريين لحظة إسقاط الأسد، وشهدت المناطق السورية حوارات جادة تنطلق من الحرص على بناء الدولة السورية الجديدة، وتوجت تلك الحوارات بتكليف رئيس الجمهورية اللجنة التحضيرية لمؤتمر الحوار الوطني، بهدف تنظيم تلك الحوارات وتحويلها إلى مخرجات عملية تشكل خارطة طريق في المرحلة المقبلة. وأوضح علوش أن اللجنة التحضيرية وضعت خطة عمل تركز على عقد مؤتمر الحوار الوطني بحضور شخصيات وطنية ذات كفاءة عالية وكانت على مسارين، الأول رسم خارطة الاستماع للسوريين لتحديد الأفكار الأساسية التي ستتم مناقشتها في المؤتمر، والثاني وضع المعايير التي على أساسها سيتم تمثيل ألوان الطيف السوري، ثم عقد سلسلة كبيرة من اللقاءات وورشات العمل ولا سيما تلك الجلسات الحوارية المركزية في المحافظات. وتابع علوش: “استمعنا إلى نحو 4000 رجل وامرأة من مختلف المكونات، وأجرينا العديد من الحوارات، بهدف الاستماع لمختلف الآراء والأفكار، واستمعنا خلالها أيضاً لأكثر من 2000 مداخلة، واستلمنا أكثر من 700 مشاركة مكتوبة، وبينما كانت اللجنة تعقد جلساتها الحوارية في المحافظات، كانت الفرق المساعدة تجمع البيانات والأفكار والمقترحات التي طرحت في اللقاءات، للعمل على استخراج المحاور الأساسية التي دارت حولها أغلب حوارات السوريين”. وأشار علوش إلى وجود شبه إجماع لدى السوريين حول 6 محاور هي: العدالة الانتقالية، والبناء الدستوري، والإصلاح المؤسسي، والحريات العامة والحياة السياسية، والمبادئ الاقتصادية العامة، ودور منظمات المجتمع المدني في بناء وتأسيس الدولة السورية. وأوضحت عضو اللجنة التحضيرية للمؤتمر هدى أتاسي أنه تم استقبال الوفود القادمة من كل المحافظات في قصر الشعب، وقالت: “اليوم يوم الحوار الوطني، اليوم التاريخي، يوم يقرر الشعب مستقبل سوريا الحديثة”.