
قالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين إلى جانب الرئيس فولوديمير زيلينسكي، إن أوروبا وأوكرانيا تواجهان "لحظة حاسمة". وقالت خلال افتتاح قمة استثنائية لقادة دول الاتحاد الأوروبي في بروكسل يشارك فيها زيلينسكي "تواجه أوروبا خطرا واضحا وقائما، وبالتالي يتعين عليها أن تكون قادرة على الدفاع عن نفسها، كما علينا أن نمنح أوكرانيا الوسائل اللازمة لحماية نفسها والعمل من أجل سلام عادل ودائم". بدوره، رفض المستشار الألماني من بروكسل "سلاما مفروضا" على أوكرانيا
مواصلة الضغط على روسيا
وفي وقت سابق، دعا زيلينسكي إلى مواصلة الضغط على روسيا لإنهاء الحرب، غداة "نجاة" عمال أجانب من ضربة روسية استهدفت فندقا كانوا فيه في كريفيي ريغ (وسط).
وقال زيلينسكي على منصة إكس "يجب ألا يكون هناك أي وقف للضغوط على روسيا لإنهاء هذه الحرب"، موضحا من جهة أخرى أنه "قبل الهجوم مباشرة، دخل متطوعون من منظمة إنسانية، مواطنون من أوكرانيا والولايات المتحدة والمملكة المتحدة، الفندق".
معلومات استخباراتية
بدوره، قال وزير الجيوش الفرنسي سيباستيان لوكورنو إن فرنسا تقدم معلومات استخباراتية عسكرية لأوكرانيا، بعدما أعلنت واشنطن تجميد تبادل المعلومات الاستخباراتية مع كييف، في قرار قد يقوض قدرة كييف على الدفاع عن نفسها بوجه الغزو الروسي. وأوضح لوكورنو لإذاعة فرانس إنتر "استخباراتنا سيادية (...) بقدرات تخصّنا. نحن ننقلها إلى الأوكرانيين للاستفادة منها". واجتمع قادة الاتحاد الأوروبي في بروكسل اليوم لمناقشة خطط إعادة التسلح، وتشكيل مجلس خاص بشأن الدفاع، وكيفية دعم الاتحاد الأوروبي لكييف في مواجهة إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب بتعليق المساعدات لأوكرانيا.
وإزاء التهديد الروسي وخطر سحب واشنطن التزامها تجاه القارة، تشهد أوروبا تبدلا في المواقف. ففي تحول لم يكن من الممكن تصوره لعقود، قررت ألمانيا استثمار مبالغ طائلة في قدراتها العسكرية، ودعت من أجل ذلك إلى إصلاح قواعد الميزانية الأوروبية المتشددة، ما أثار ذهول العديد من الدبلوماسيين الأوروبيين بعدما كانت تتمسك حتى الآن بنهج مالي صارم بشأن العجز. وتتجه كل الأنظار الآن إلى المستشار الألماني المقبل فريدريش ميرتس الذي يصل إلى بروكسل لعقد لقاء مع رئيس المجلس الأوروبي أنطونيو كوستا، قبل ساعات من بدء القمة عند الظهر.
وفي سياق التقلبات الجذرية التي طرأت على الوضع الجيوسياسي جراء مواقف ترامب، كشفت المفوضية الأوروبية عن خطة لـ"إعادة تسليح أوروبا" تقضي برصد حوالى 800 مليار يورو. وفي هذا السبيل، يجري بحث السماح للدول الأعضاء بزيادة إنفاقها العسكري بدون إدراجه ضمن العجز في ميزانياتها. وكتبت فون دير لايين في رسالة وجهتها إلى قادة دول الاتحاد أن "أوروبا تواجه خطرا واضحا وآنيا بحجم لم يعرفه أي منا في حياته". وأعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في كلمة إلى الفرنسيين أنه يعتزم "فتح النقاش الاستراتيجي" حول وضع أوروبا تحت حماية المظلة النووية الفرنسية.
واشنطن تعلق مساعدتها العسكرية
أعلنت واشنطن تجميد مساعدتها العسكرية لأوكرانيا وسط تقارب لافت مع الكرملين منذ المكالمة الهاتفية المطولة التي أجراها ترامب مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين في 12 شباط/فبراير. وأوضح مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي ايه) جون راتكليف أن هذا القرار الذي يقوض بحسب الخبراء قدرة كييف على الدفاع عن نفسها بوجه الغزو الروسي، يشمل كذلك تبادل المعلومات الاستخباراتية، رغم أن هذا التعاون عنصر أساسي يعول عليه الجنود الأوكرانيون في ساحة المعركة. ومن الجانب الأوروبي، تعهد التكتل تقديم حوالى 30 مليار يورو لأوكرانيا خلال العام 2025، ولا ترى دول عدة ضرورة لزيادة هذا المبلغ في الوقت الحاضر.
وبعدما قامت كييف بالعديد من مبادرات التهدئة حيال الولايات المتحدة إثر المشادة الكلامية الصادمة بين زيلينسكي وترامب الأسبوع الماضي في المكتب البيضوي حين هدد الرئيس الأميركي بـ"التخلي" عن أوكرانيا، أعلنت العمل على مفاوضات جديدة مع الأميركيين. ويطالب زيلينسكي حلفاءه الغربيين بضمانات أمنية متينة في إطار مفاوضات محتملة، للتثبت من عدم تعرض بلاده لهجوم روسي جديد في المستقبل. وكتب على شبكات التواصل الاجتماعي "نريد جميعا مستقبلا آمنا لشعبنا. لا إطلاق نار مؤقتا، بل وقف الحرب بصورة نهائية". وكان زيلينسكي عرض هدنة مع روسيا في الجو والبحر لبدء مفاوضات حول "سلام دائم" بـ"قيادة" ترامب، كما أبدى استعداده لتوقيع اتفاق إطاري مع الولايات المتحدة حول استغلال الموارد المعدنية الأوكرانية، وهو ما يطالب به الرئيس الأميركي.
تهديد أوربان
وأكد ماكرون أن موسكو "حولت النزاع الأوكراني إلى نزاع عالمي" مشددا على أن "الوقوف متفرجين سيكون من الجنون". لكن ليس هناك إجماع على سبل التحرك. وفي هذا السياق، حذر رئيس الوزراء المجري القومي فيكتور أوربان المؤيد لترامب، من أي استنتاجات خطية بشأن أوكرانيا في نهاية القمة، في موقف يهدد بكشف الانقسامات بين الأوروبيين في العلن. وقال دبلوماسي أوروبي ملخصا الوضع "الهدف بشأن أوكرانيا هو التوصل إلى اتفاق بين الأعضاء الـ27 جميعهم أو ما يقارب ذلك" مؤكدا "سنتقدم في مطلق الأحوال. المهم أن تحصل أوكرانيا على دعم".
لافروف: خطاب ماكرون بشأن النووي تهديد لروسيا
أعلن وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف أن "خطاب ماكرون بشأن (النووي) تهديد لروسيا". وأضاف: "دول غربية ترى أن السلام في أوكرانيا أسوأ من الحرب". وتابع: "الأزمة في أوكرانيا يمكن حلها خلال أسابيع إذا أوقف الغرب إمداد كييف بالأسلحة". وأعلن قصر الإليزيه عن خطاب مفاجئ للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، مشيراً إلى أنه سيخاطب الفرنسيين "في هذه اللحظة من عدم اليقين الكبير، التي يواجه العالم فيها التحديات الكبرى".
يأتي الخطاب عشية انعقاد المجلس الأوروبي، في بركسل، والذي يعد حاسماً لمستقبل أوكرانيا بعد وقف واشنطن المساعدات المقدمة لكييف. ومن المتوقع أن يتحدث ماكرون عن قضايا عديدة تتعلق بالحرب في أوكرانيا وتحديد بعض الخطوات استعداداً للمرحلة المقبلة ولسيناريوهات عديدة.
المساعدات لأوكرانيا والهدنة
بحسب تسريبات صحافية، ستكون المساعدات لأوكرانيا على رأس المواضيع التي سيتحدث عنها ماكرون، إذ من المتوقع أن يعلن الرئيس الفرنسي عن حزمة جديدة من المساعدات المالية لدعم القتال في أوكرانيا، وهي خطوة قد تأتي بشكل متزامن بين باريس وبرلين. كما أنه سيبحث هذه المسألة مع الزعماء الأوروبيين الذين سيلتقيهم في بروكسل، بهدف تعويض ما سيحدثه تجميد المساعدات الأميركية. وكان رئيس الحكومة الفرنسية فرانسوا بايرو قد تطرق إلى هذه المسألة خلال كلمة له أمام مجلس النواب الفرنسي في جلسة خصصت لنقاش أمن فرنسا وأوروبا. وقال إن تعويض المساعدات الأميركية التي علقت، هو واجب على الدول الأوروبية محذراً من أنه "إذا انهار السد الأوكراني بسبب عجزنا، فلا شك أن بلدان اتحادنا هي التي ستجد نفسها مستهدفة".
كما أكد أنه في مواجهة الوضع الحالي، فإن "الأمر متروك لنا نحن الأوروبيين لضمان أمن ودفاع أوروبا" وأن فرنسا "يمكن أن تلعب دوراً محورياً في بناء هذا العالم الجديد، وهذا التوازن الجديد".
خطة مشتركة
أما مسألة الهدنة في أوكرانيا فستكون، وفق التسريبات، جزءاً من خطاب ماكرون، خصوصاً وأنه قدم مقترحاً لخطة مشتركة مع بريطانيا خلال القمة غير الرسمية التي انعقدت في لندن، تتضمن "وقفاً للقتال في الجو، وفي البحر، وفي البنى التحتية للطاقة" لمدة شهر. لكن هذه الخطة لا تزال تواجه مخاوف بريطانية، حيث إنها لن تشمل وقف القتال على الجبهات، وهو ما تقول بريطانيا إنه "سيسمح للقوات الروسية بإعادة تشكيل نفسها، وإعادة تسليحها، وإعادة تجميعها، وشن هجوم جديد" عند انتهاء الهدنة.
قوات أوروبية على الأراضي الأوكرانية الرئيس الفرنسي كان قد أثار خلال لقائه مع ترامب في البيت الأبيض مسألة نشر قوات أوروبية في حال التوصل إلى اتفاق سلام بين روسيا وأوكرانيا، لكنه فشل في الحصول على ضمانات من الرئيس الأميركي لضمان سلامة الجنود الأوروبيين، برغم أن ترامب أظهر موافقة ضمنية على نشر هذه القوات. في هذا السياق، سيكون الرئيس الفرنسي مضطراً لتوضيح مسألة نشر جنود أوروبيين في أوكرانيا، خصوصاً وأن الفكرة تثير قلقاً في فرنسا، فضلاً عن أسئلة كثيرة داخل الاتحاد الأوروبي نفسه. فبعض شركاء باريس الأوروبيين مثل إسبانيا، يرفضون هذه الفكرة.