سيريا ستار تايمز

المسجون الذي دعا للسلام من زنزانته.. الرئاسة التركية تتعهد بتسهيل إجراءات حل حزب العمال الكردستاني


أمضى الزعيم الكردي عبدالله أوجلان، الذي يبلغ من العمر الآن 76 عاماً، ربع قرن في السجن بعد أن قاد حزب العمال الكردستاني إلى حمل السلاح لقتال الدولة التركية من أجل إقامة وطن كردي. وفي فبراير (شباط) الماضي، دعا أوجلان إلى السلام. وقال إن الكفاح قد استنفد غرضه، مطالباً حزب العمال الكردستاني بإلقاء السلاح. واستجابت الجماعة المسلحة لدعوته معلنةً أنها ستحل نفسها، وفقاً لوكالة أنباء مقربة منها، منهيةً بذلك أكثر من أربعة عقود من القتال. وأصدر أوجلان، الذي يحظى باحترام الحركة السياسية المؤيدة للأكراد رغم أن معظم الأتراك يحملونه مسؤولية إشعال الصراع في عام 1984، هذه الدعوة بعد أربعة أشهر من اقتراح بهذا الشأن من حليف للرئيس التركي رجب طيب أردوغان. وقال أوجلان إن "إنهاء إنكار الدولة للهوية الكردية وتحسين حرية التعبير أدى إلى فقدان حزب العمال الكردستاني لمكانته"، بحسب تعبيره. وعبّر كل من أردوغان وحزب المساواة والديمقراطية للشعوب التركي المؤيد للأكراد عن دعمهما لجهود إنهاء القتال الذي أودى بحياة أكثر من 40 ألف شخص وغيّر شكل السياسة التركية وألحق أضراراً بالبلدات والمدن في جنوب شرق البلاد. وقال أوجلان في رسالة نشرها أعضاء حزب المساواة والديمقراطية للشعوب في فبراير (شباط) بعد زيارتهم له في زنزانته بالسجن "أدعو إلى إلقاء السلاح، وأتحمل المسؤولية التاريخية عن هذه الدعوة".

وظهرت صورة نُشرت آنذاك لأوجلان بشعره الرمادي جالساً إلى طاولة ممسكاً بالبيان ومحاطاً بسياسيين من الحزب. وكانت القوات الخاصة التركية قد ألقت القبض على أوجلان في كينيا عام 1999. وعلى الرغم من سجنه، ظل يتمتع بنفوذ كبير وسلطة رمزية على حزب العمال الكردستاني الذي يتمركز مقاتلوه أساساً في منطقة جبلية بشمال العراق.

وظهرت على السطح فكرة إعادة التواصل مع أوجلان في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وطرحها سياسي غير متوقع وهو دولت بهجلي زعيم حزب الحركة القومية والحليف السياسي للرئيس التركي رجب طيب أردوغان. وفاجأ بهجلي البلاد حين اقترح أنه يمكن الإفراج عن أوجلان إذا نجح في إقناع حزب العمال الكردستاني بإنهاء تمرده.

انهيار عملية السلام في 2015
بلغت مكانة أوجلان ذروتها في عملية سلام جرت بين الدولة التركية ومقاتلي حزب العمال الكردستاني بين عامي 2013 و2015. وكان أردوغان رئيس وزراء آنذاك، وكان يرى في أوجلان كلمة السر في الجهود التي تستهدف إنهاء القتال. ومن زنزانته في السجن، برز أوجلان، الذي يطلق عليه القوميون الأكراد تحبباً لقب "آبو"، إلى الواجهة. وظهر في صور نشرتها وسائل إعلام تركية أشيب الشعر ومبتسماً، في تناقض حاد مع صوره السابقة التي كان يظهر فيها بزي قتالي حاملاً بندقية. لكن في منتصف عام 2015، انهارت عملية السلام ودخل الصراع مرحلته الأكثر دموية، وتركز في المناطق الحضرية الجنوبية الشرقية. وفي السنوات القليلة الماضية، تركز الصراع بشكل رئيسي في شمال العراق، حيث يتمركز حزب العمال الكردستاني.

نشأة أوجلان
وُلد أوجلان لأسرة مزارعين في قرية أوميرلي في جنوب شرق تركيا، وتشكلت أفكاره السياسية وسط معارك الشوارع العنيفة بين العصابات اليسارية واليمينية في سبعينيات القرن الماضي.

وانشق عن اليسار التركي ليؤسس حزب العمال الكردستاني في عام 1978، وتعهّد بالقتال من أجل دولة "كردستان" المستقلة بعد تركه كلية العلوم السياسية في جامعة أنقرة. وكان أوجلان يقود حزب العمال الكردستاني، الذي تصنفه تركيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي "منظمة إرهابية"، من سوريا حتى هددت تركيا بالحرب في عام 1998، ما أجبر دمشق على طرده. وسعى للحصول على حق اللجوء في روسيا، ثم إيطاليا واليونان، قبل أن يتم القبض عليه في العاصمة الكينية نيروبي عام 1999. ونُقِل جواً إلى أنقرة تحت حراسة قوات تركية خاصة، وحكِم عليه بالإعدام. ثم خُففت عقوبته إلى السجن المؤبد، ليظل هناك منذ ذلك الحين.

قال فخر الدين ألطون، رئيس دائرة الاتصال بالرئاسة التركية، إن البلاد ستتخذ الإجراءات اللازمة لضمان المضي بشكل سلس نحو دولة "خالية من الإرهاب"، بعد إعلان حزب العمال الكردستاني حل نفسه. وفي منشور على منصة "إكس"، قال ألطون إن العملية لن تكون قصيرة الأمد أو سطحية، وإنه سيتم اتخاذ جميع الخطوات بشفافية وبما يراعي حساسية الأمور. وفي وقت سابق، قال متحدث باسم حزب العدالة والتنمية، الذي يتزعمه الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، إن قرار حزب العمال الكردستاني بحل نفسه خطوة مهمة نحو "تركيا خالية من الإرهاب"، بحسب تعبيره. وفي منشور على منصات التواصل الاجتماعي، قال المتحدث إن عملية حل الحزب ستخضع لمراقبة ميدانية دقيقة من قبل مؤسسات الدولة. وأضاف أن التنفيذ العملي والكامل لقرار حزب العمال الكردستاني سيكون نقطة تحول. يأتي هذا بعدما أعلن حزب العمال الكردستاني، في وقت سابق من اليوم، حل نفسه وانتهاء أكثر من أربعة عقود من القتال مع الدولة التركية، بحسب ما أفادت وكالة "فرات" للأنباء المقربة من المجموعة.

متحدث باسم حزب العدالة والتنمية قال إن عملية حل حزب العمال الكردستاني ستخضع لمراقبة ميدانية دقيقة من قبل مؤسسات الدولة

وجاء في بيان للحزب بعدما عقد مؤتمره الأسبوع الماضي: "قرر المؤتمر الثاني عشر لحزب العمال الكردستاني حل البنية التنظيمية لحزب العمال الكردستاني وإنهاء كفاحه المسلح". ويأتي الإعلان تلبية لدعوة أطلقها مؤسس الحزب عبدالله أوجلان، المسجون في سجن جزيرة إيمرالي قبالة اسطنبول منذ 1999، حثّ من خلالها في فبراير (شباط) مقاتليه على نزع السلاح وحل الحزب. ورد حزب العمال الكردستاني، الذي تتحصن قيادته في جبال شمال العراق، إيجاباً في الأول من مارس (آذار) على دعوة زعيمه التاريخي لوضع حد لـ40 عاماً من القتال ضد سلطات أنقرة. وأعلن يومها الحزب، الذي تصنفه أنقرة وحلفاؤها الغربيون "منظمة إرهابية"، وقف إطلاق النار بأثر فوري. وفي خطاب ألقاه السبت، ألمح الرئيس التركي رجب طيب إردوغان إلى أن الأنباء عن حل الحزب قد تأتي في أي لحظة، مؤكداً عزم حكومته على "إنقاذ بلادنا من آفة الإرهاب"، حسب تعبيره. وقال: "إننا نتقدم بخطوات ثابتة على الطريق نحو هدف جعل تركيا خالية من الإرهاب".

سيريا ستار تايمز - syriastartimes,