موعد المحادثات المقبلة سيتحدد عند استعداد الطرفين.. واشنطن تتوقع تصعيد القتال بأوكرانيا ولا مساعدات أميركية إضافية لكييف

أعلن المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف، أن على المشاركين في المفاوضات الروسية الأوكرانية دراسة مسودة المذكرات مع مقترحات السلام من الطرفين، وبعد ذلك الاتفاق على مواعيد الجولة التالية من المفاوضات. وقال بيسكوف رداً على سؤال وكالة "تاس": "من الواضح أن الأمر سيستغرق بعض الوقت للنظر في مسودات المذكرات التي تبادلها الطرفان، وبمجرد أن يصبحا جاهزين سيتفقان على مواعيد الجولة القادمة". وكانت الجولة الثانية من المفاوضات المباشرة المستأنفة بين روسيا وأوكرانيا قد عُقدت في إسطنبول في الثاني من يونيو، حيث استمر الاجتماع لأكثر من ساعة بقليل، وتحدث الوفدان باللغة الروسية، كما تبادل الطرفان وثائق تتضمن رؤيتهما لجوانب تسوية النزاع. وبحسب مذكرة التفاهم الروسية، فإن التسوية النهائية في أوكرانيا تتطلب من كييف التخلي عن مسارها القومي، وحماية السكان الناطقين بالروسية في أوكرانيا، والانسحاب الكامل للتشكيلات الأوكرانية من الأراضي الروسية، بما في ذلك تلك التي انضمت إلى روسيا بعد عام 2022. وقال رئيس الوفد الأوكراني ووزير الدفاع رستم أوميروف، إن كييف تقترح عقد اللقاء المقبل في الفترة من 20 إلى 30 يونيو.
وقبلها، صرح المتحدث باسم الكرملين أن روسيا تتخذ احتياطات بناء على طبيعة نظام كييف وهجماته على أهداف مدنية. وقال بيسكوف بهذا الصدد: "يواصل نظام كييف محاولاته في مهاجمة منشآت البنية التحتية المدنية"، مضيفاً "يتخذ الجانب الروسي الإجراءات الاحترازية المناسبة بناءً على طبيعة نظام كييف المعروفة ومفهومة الجوهر".
وأمس، قال المسؤول الأمني الروسي الكبير دميتري ميدفيديف إن الهدف من إجراء محادثات السلام مع أوكرانيا هو ضمان تحقيق نصر روسي سريع وكامل. وقال عبر "تليغرام": "محادثات إسطنبول ليست من أجل التوصل إلى سلام توافقي بشروط وهمية يحددها آخرون، بل لضمان انتصارنا السريع والتدمير الكامل لنظام النازيين الجدد"، بحسب تعبيره.
وأضاف ميدفيديف، في إشارة على ما يبدو إلى الضربات الأوكرانية في مطلع الأسبوع على قواعد القاذفات الاستراتيجية الروسية، أن موسكو سترد. وقال إن "الانتقام أمر لا مفر منه". وتابع "جيشنا يتقدم وسيواصل التقدم. كل ما يجب تدميره سيتم تدميره، وأولئك الذين يجب القضاء عليهم سيتم القضاء عليهم".
الأوكرانيون قادرون الآن على حماية خطوط المواجهة مع القوات الروسية لكن شنّ هجوم مضاد ودفع الروس إلى الخلف يحتاج إلى حشد بشري أوكراني يصل إلى نسبة ثلاثة جنود أوكرانيين مقابل كل جندي روسي، وهذا ما لا تستطيع أوكرانيا أن توفّره
يتوجّه وزير الدفاع الأميركي بيت هيغسيث إلى أوروبا لحضور اجتماعات حلف شمال الأطلسي "الناتو" حيث سيشدد مرة أخرى على طلب الرئيس الأميركي دونالد ترامب بأن يزيد الحلفاء من الإنفاق العسكري إلى 5 في المئة من ميزانياتهم. ستكون الحرب في أوكرانيا بنداً مهماً في الاجتماعات مع بعض التعقيدات الإضافية. فوزير الدفاع الأميركي أعلن في الاجتماع السابق أنه سيكون من المستحيل على أوكرانيا أن تستعيد الأراضي التي سيطرت عليها روسيا، فيما فشلت كل المساعي لإنهاء الحرب منذ عاد ترامب إلى البيت الأبيض.
القتال مستمر
فالمشكلة الآن أصبحت استمرار الحرب، ولا يبدو أن الأطراف لديها حلول لوقفها، ومن المنتظر أن تشهد الأشهر المقبلة المزيد من القتال العنيف. مسؤول أميركي قال: "إننا مقبلون على أشهر الصيف وهو وقت تتصعّد فيه العمليات العسكرية"، وتوقّع أن "تحاول روسيا خلال الأسابيع المقبلة أن تحقق تقدّماً برياً وأن تسيطر على مزيد من الأراضي". سيعني هذا الأمر مقتل المزيد من الجنود الروس والأوكرانيين عند خطوط المواجهة، وقد يكون هذا الرقم أكبر مما كان عليه خلال مواجهات الشتاء والربيع، وكان الرئيس ترامب تحدّث عن أرقام تتراوح بين الـ1000 والـ3000 جندي يموتون كل أسبوع من الطرفين. ليست هناك إحصاءات رسمية لعدد القتلى من الطرفين، ولا يعرف الأميركيون هذا الرقم بالتحديد، لكن الرئيس الأميركي أبدى أكثر من مرة "حزنه الشديد" لما يحدث هناك ويريد إيقاف المعارك. أحد المتحدّثين القريبين من تفكير ترامب قال، لدى التحدّث إلى، إن "الرئيس الأميركي يبذل جهوداً كبيرة لمواجهة مسألة معينة لوقت معيّن. عندما ينجح، يتحدّث عن الأمر كثيراً. لكنه عندما يفشل، يترك الملف لأنه أصبح مضيعة للوقت، ويتوجّه إلى مسألة أخرى". ربما تكون مسألة أوكرانيا قضية مستعصية الآن، ولدى ترامب خيار ترك الأمور على ما هي عليه، أو اتخاذ خطوات تجبر الأطراف على وقف النار.
لا مساعدات إضافية
ليس هناك أي مؤشّر على أن الرئيس الأميركي سيلجأ قريباً إلى منح أوكرانيا مساعدة عسكرية على غرار المساعدات العاجلة من مخازن الجيوش الأميركية، وقال أحد المتحدثين الأميركيين إن "الولايات المتحدة ستتابع إرسال المساعدات التي تمّ إقرارها حتى الآن، لكنها تنتظر من الشركاء الأوروبيين القيام بدورهم وأن يقدّموا الدعم الذي تحتاجه أوكرانيا". تأخُّر ترامب في تقديم مساعدات إضافية إلى أوكرانيا له الكثير من الأسباب، أوّلها أنه يريد بالفعل من الأوروبيين أن يهتمّوا بشؤون القارة بدلاً من إلقاء المسؤولية على الأميركيين، والسبب الثاني هو أن الرئيس الأميركي لديه إمكانيات عديدة لممارسة الضغوط على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وأولها هو فرض عقوبات اقتصادية على موسكو. يعتبر المتحدّثون الأميركيون أن العقوبات تحفظ الخطوط مع موسكو، فمن السهل التراجع عنها ولها مفاعيل فورية.
استحالة الهجوم المضاد
هناك سبب إضافي لتراجع الأميركيين عن تقديم المساعدات "النوعية" للأوكرانيين، فحسب المسؤولين والخبراء العسكريين الأميركيين سيكون من المستحيل على الجيش الأوكراني تحقيق أية انتصارات ميدانية ضخمة، ويقولون أن الأوكرانيين قادرون الآن على حماية خطوط المواجهة مع القوات الروسية "لكن شنّ هجوم مضاد ودفع الروس إلى الخلف يحتاج إلى حشد بشري أوكراني يصل إلى نسبة ثلاثة جنود أوكرانيين مقابل كل جندي روسي، وهذا ما لا تستطيع أوكرانيا أن توفّره". حقيقة الأمر أن أوكرانيا تبقى بلداً صغير الحجم بشرياً مقابل روسيا الضخمة العدد والقادرة على التجنيد وعلى إرسال أكثر من 120 ألف مقاتل إلى أرض المعركة، ثم تستطيع إرسال المزيد لتعويض القتلى والجرحى.
حرب المسيرات
الحلّ الآخر المتوفّر لدى الأوكرانيين الآن هو اللجوء إلى "الحرب بالمسيرات"، ويرى المتحدّثون الرسميون الأميركيون أن ما حدث منذ أيام من قصف على قواعد روسية هو مثال جيّد، فيما استعمال قدرات متطوّرة أميركية مثل طائرات "إف 16" لم يثبت أنه فعّال جداً، فالجيش الأوكراني يعرف أكثر أساليب الاتحاد السوفييتي والسلاح الروسي، وطائرات "أف 16" أميركية ومكلفة، والعبور من العقلية العسكرية الروسية إلى العقلية الأميركية و"الأطلسية" تأخذ وقتاً طويلاً. أما الآن فيحتاج الأوكرانيون إلى وسائل لمنع الجيش الروسي من التقدّم على أراضي أوكرانيا، فكل ما يسيطر عليه الجيش الروسي لن تتخلّى عنه روسيا في المستقبل.