اللقاء لم يسفر عن أي اتفاقات نهائية بين الوفدين السوري والإسرائيلي.. وأعلى محكمة فرنسية تبطل مذكرة توقيف بحق الأسد

قال مصدر دبلوماسي سوري إن اللقاء الذي جمع في باريس وفدين من سوريا وإسرائيل بوساطة أميركية تطرّق إلى إمكانية تفعيل اتفاقية فضّ الاشتباك و"احتواء التصعيد" بين البلدين، بدون أن يسفر عن "اتفاقات نهائية"، مشيراً إلى لقاءات أخرى ستعقد مستقبلاً، وفق ما نقله التلفزيون السوري الرسمي. وكان مصدر دبلوماسي في دمشق قد قال لوكالة الأنباء الفرنسية إن اجتماعاً غير مسبوق جمع وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني ووزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر، بينما أعلن المبعوث الأميركي إلى سوريا توم برّاك في منشور على "إكس" أنه التقى بمسؤولين سوريين وإسرائيليين في باريس. ونقلت القناة السورية الرسمية عن المصدر الدبلوماسي قوله إن "الحوار الذي جمع وفداً من وزارة الخارجية وجهاز الاستخبارات العامة مع الجانب الإسرائيلي جرى بوساطة أميركية وتمحور حول التطورات الأمنية الأخيرة ومحاولات احتواء التصعيد في الجنوب السوري". وتابع أن "اللقاء لم يسفر عن أي اتفاقات نهائية، بل كان عبارة عن مشاورات أولية تهدف إلى خفض التوتر وإعادة فتح قنوات التواصل في ظل التصعيد المستمر منذ أوائل ديسمبر (كانون الأول)".
وقال إن الحوار تطرق إلى "إمكانية إعادة تفعيل اتفاق فضّ الاشتباك" لعام 1974 "بضمانات دولية، مع المطالبة بانسحاب فوري للقوات الإسرائيلية من النقاط التي تقدمت إليها مؤخراً". وعُقد هذا اللقاء في أعقاب الاشتباكات التي اندلعت في محافظة السويداء في 13 يوليو (تموز)، والتي دخلت إسرائيل على خطها عبر شن غارات على أهداف في جنوب سوريا وفي دمشق. وتؤكد إسرائيل أنها لن تسمح بوجود عسكري في جنوب سوريا.
وبحسب المصدر الدبلوماسي الذي القناة الرسمية السورية تصريحاته، فقد شدّد الوفد السوري خلال اللقاء على أن "وحدة وسلامة وسيادة الأراضي السورية مبدأ غير قابل للتفاوض، وأن السويداء وأهلها جزء أصيل من الدولة السورية، لا يمكن المساس بمكانتهم أو عزلهم تحت أي ذريعة". وتمّ الاتفاق في ختام اللقاء على "عقد لقاءات جديدة خلال الفترة المقبلة، بهدف مواصلة النقاشات وتقييم الخطوات التي من شأنها تثبيت الاستقرار واحتواء التوتر في الجنوب"، وفقاً للمصدر نفسه. وكان مصدر دبلوماسي في دمشق قد أفاد وكالة الأنباء الفرنسية بأن لقاء مباشراً عقد في 12 يوليو (تموز) بين مسؤول سوري وآخر إسرائيلي على هامش زيارة أجراها الرئيس السوري أحمد الشرع إلى أذربيجان. ومنذ وصولها إلى السلطة في ديسمبر (كانون الأول)، أقرت السلطات السورية الجديدة بحصول مفاوضات غير مباشرة مع إسرائيل، هدفها احتواء التصعيد، بعدما شنّت إسرائيل مئات الغارات على الترسانة العسكرية السورية وتوغلت قواتها في جنوب البلاد عقب الإطاحة ببشار الأسد من الرئاسة. وتربط دمشق هدف المفاوضات مع إسرائيل بالعودة إلى تطبيق اتفاقية فضّ الاشتباك لعام 1974، لناحية وقف الأعمال القتالية وإشراف قوة من الأمم المتحدة على المنطقة المنزوعة السلاح الفاصلة بين الطرفين.
مذكرة التوقيف الملغاة بحق الأسد تتعلق بشنّ هجمات كيمياوية عام 2013 خلال الحرب في سوريا
اعتبرت محكمة التمييز الفرنسية، أنه لا استثناء يمكن أن يرفع حصانة رئيس دولة، وبذلك ألغت مذكرة توقيف أصدرها قضاة تحقيق في باريس بحق الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد، بتهمة شنّ هجمات كيمياوية عام 2013 خلال الحرب في سوريا، وأسفرت عن مقتل أكثر من ألف شخص لكن رئيس أعلى هيئة قضائية في فرنسا كريستوف سولار رأى في ختام جلسة علنية نقلت بصورة غير مسبوقة عبر الإنترنت، أنه بما أن بشار لم يعد رئيسا بعد إطاحته في ديسمبر (كانون الأول) 2024، "يجوز أن تكون مذكرات توقيف جديدة صدرت أو ستصدر بحقه" في قضايا جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وبالتالي، يمكن مواصلة التحقيق القضائي بحقه".
في نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، أصدر القضاء الفرنسي مذكرة توقيف بحق الأسد بتهمة التواطؤ في ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب، على خلفية هجمات كيمياوية منسوبة إلى القوات السورية أثناء حكمه. ووقعت الهجمات في 4 و5 أغسطس (آب) 2013 في عدرا ودوما قرب دمشق، حيث أسفرت عن إصابة 450 شخصا، كما طالت هجمات مماثلة في 21 منه الغوطة الشرقية ومعضمية الشام (الغوطة الغربية) قرب دمشق، موقعة أكثر من ألف قتيل، وفق ما أحصت واشنطن وناشطون آنذاك. والأسد متهم بالتواطؤ في جرائم حرب وجرائم بحق الإنسانية في هذه القضية، ولو أن السلطات السورية آنذاك نفت أي ضلوع لها في الهجمات بالغاز وألقت بالمسؤولية على الثوار. وتناول القضاء الفرنسي القضية عملا بمبدأ "الاختصاص العالمي" الذي يتيح الملاحقة القضائية عن جرائم خطيرة بغض النظر عن مكان ارتكابها. وأجرى قضاة التحقيق في وحدة الجرائم ضد الإنسانية في محكمة باريس القضائية تحقيقا منذ عام 2021 حول التسلسل القيادي الذي أدى إلى الهجمات الكيمياوية، ما أدى إلى إصدار 4 مذكرات توقيف بحق بشار الأسد وشقيقه ماهر، القائد الفعلي للفرقة الرابعة، وهي وحدة النخبة في الجيش السوري، بالإضافة إلى ضابطين هما غسان عباس وبسام الحسن.
وطعنت النيابة العامة لمكافحة الإرهاب بمذكرة التوقيف بحق الرئيس السوري ولكن ليس تلك الصادرة بحق الثلاثة الآخرين. واستندت التحقيقات، بين أمور أخرى، إلى الصور ومقاطع الفيديو والخرائط المقدمة من الأطراف المدنيين وشهادات ناجين ومنشقين عن الوحدات الأمنية والعسكرية. ومن بين الأطراف المدنيين في القضية، ضحايا يحملون جنسية مزدوجة فرنسية-سورية والمركز السوري للإعلام وحرية التعبير ومبادرة العدالة في المجتمع المفتوح ومبادرة الأرشيف السوري ومدافعون عن الحقوق المدنية.
مسألة الحصانة
في يونيو (حزيران) 2024، أيّدت محكمة الاستئناف في باريس مذكرة التوقيف. وتقدّمت النيابة الوطنية لمكافحة الإرهاب بالدرجة الأولى، ثم النيابة العامة الاستئنافية، بطلبات استئناف بناء على الحصانة المطلقة أمام المحاكم الأجنبية التي يتمتع بها رؤساء الدول ورؤساء الحكومات ووزراء الخارجية أثناء توليهم مناصبهم. وخلال جلسة استماع في 4 يوليو (تموز)، اقترح المدعي العام لدى محكمة التمييز ريمي هيتز الإبقاء على مذكرة التوقيف. وكان قد طعن سابقا أمام محكمة الاستئناف التي اعتبرت أنّ هذه الجرائم "لا يمكن اعتبارها جزءا من الواجبات الرسمية لرئيس الدولة"، مؤكدة أنّ "الحصانة الشخصية كانت قائمة" بموجب قرار صادر عن محكمة العدل الدولية عام 2002.
ولكن النائب العام اقترح لاحقا على المحكمة "مسارا ثالثا"، مستبعدا حصانة بشار الأسد الشخصية، على اعتبار أنّه منذ عام 2012 لم تعد فرنسا تعدّه "رئيسا شرعيا للدولة" في ضوء "الجرائم الجماعية التي ارتكبتها السلطات السورية". تبدّلت الظروف الجيوسياسية بشكل جذري منذ صدور مذكرة التوقيف، إذ تمت الإطاحة بالأسد في ديسمبر (كانون الأول) 2024 وفرّ الى روسيا. ويمثل القرار الصادر من المحكمة، ضربة للنشطاء الذين كانوا يأملون في أن تلغي المحكمة الحصانة الرئاسية، وهو قرار كان يمكن أن تكون له نتائج واسعة النطاق على قادة آخرين متهمين بارتكاب فظائع، نقلا عن الأسوشييتد برس.