
في الحرب على غزة، نفذت قوات الاحتلال غارات جديدة أوقعت شهداء ومصابين، وذلك في إطار هجماتها الرامية لتدمير مدينة غزة وتهجير سكانها. كما أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي مقتل أحد ضباطه في عملية للمقاومة في مدينة غزة، ليكون أول ضابط يقتل هناك منذ بدء عملية احتلال المدينة قبل اسبوعين، بحسب الإعلام الإسرائيلي، كما ارتفع عدد ضباط وجنود الاحتلال الذين قتلوا في العدوان على القطاع إلى 911. وفي الضفة الغربية المحتلة، دهمت قوات الاحتلال عدة منازل للفلسطينيين في مدينة قلقيلية شمالي الضفة المحتلة، كما دهمت عدة مدن وقرى بالضفة المحتلة. وفي السياق، حولت قوات الاحتلال عمارة سكنية في مخيم الفوار جنوب الخليل لثكنة عسكرية.
معاريف: اعتراف بريطانيا وكندا وأستراليا بفلسطين تآكل لحصانة إسرائيل
قالت صحيفة معاريف الإسرائيلية إن اعتراف بريطانيا وكندا وأستراليا بدولة فلسطينية، عشية انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، يشكّل زلزالا سياسيا، وتآكلا ناعما للحصانة الدبلوماسية لإسرائيل ويضعها أمام واقع جديد في الساحة الدولية. ورغم أن هذا الاعتراف لا يقيم دولة فلسطينية على الأرض "فلا أعلام جديدة ولا حدود مرسومة ولا مؤسسات حكم" فإنه -بحسب الصحيفة- يحمل دلالات إستراتيجية بعيدة المدى، إذ يعزز المسار الدولي لإعادة حل الدولتين إلى مركز الأجندة العالمية، ويمثل خطوة غير مسبوقة من 3 ديمقراطيات غربية تعد من أقرب حلفاء إسرائيل والولايات المتحدة.
مأزق إسرائيل وأكدت المراسلة السياسية للصحيفة آنا براسكي -في مقال- أن هذا التطور يختلف جذريا عن اعترافات سابقة صدرت من دول بأميركا اللاتينية أو أفريقيا، مشيرة إلى أن العواصم الثلاث ليست "هامشية" بل قوى مركزية في العالم الغربي اختارت أن تنسّق خطوتها في يوم واحد وبالتزامن مع اجتماعات الأمم المتحدة. وترى أن هذه الخطوة ليست مجرد "رمزية فارغة" بل رسالة واضحة للحكومة الإسرائيلية بأن مرحلة الجمود انتهت، وأن المجتمع الدولي يريد إعادة تشغيل المسار السياسي حتى لو أدى ذلك إلى توتر مع إسرائيل أو احتكاك في العلاقات مع واشنطن. وتوضح المراسلة السياسية أن الاعترافات الجديدة لا تغيّر شيئا على الأرض، لكنها تتحول إلى "عملة صعبة" بالمؤسسات الدولية، إذ تضيف شرعية متزايدة للمطلب الفلسطيني بدولة ذات سيادة، وقد تستخدم لاحقا كأساس لإجراءات قانونية وضغوط في مجالس وهيئات قضائية متعددة. وتقول أيضا "الفرق بين رمزية فارغة ورمزية ذات مغزى يكمن في كيفية استثمار هذه الخطوات، لا سيما في المشهد القانوني والدبلوماسي الدولي". وتؤكد براسكي أن الدفاع عن الوضع القائم يزداد صعوبة بالنسبة لإسرائيل. فمع اعتراف 3 عواصم غربية خلال أسبوع واحد، تصبح قدرة إسرائيل على منع خطوات إضافية بالأمم المتحدة أو الاتحاد الأوروبي أقل بكثير.
وتضيف "حتى إن لم تنضم دول أخرى مباشرة، فإن الحصانة السياسية التي تمتعت بها إسرائيل في الغرب بدأت تتآكل". وتمضي في شرح ذلك، وتقول "عمليا، لن يُفرض غدا حظر سلاح أو إلغاء شراكات بحثية، لكن ذلك يشير إلى بداية تآكل ناعم يتمثل بقيود في المناقصات، واشتراطات جديدة في التعاون العلمي، وتحفظات بالمؤسسات الأكاديمية، وتراكم إجراءات صغيرة تخلف ضغطا متزايدا".
مظلة أميركا لا تغني
تلفت المراسلة السياسية لمعاريف إلى أن الولايات المتحدة لم تنضم إلى هذا المسار ولا تنوي ذلك حاليا، وهو ما يمنح إسرائيل مظلة حماية مهمة. غير أنها ترى أن استمرار إسرائيل في الاعتماد على واشنطن وحدها قد يخلف انطباعا بأنها تختبئ خلفها، بينما العالم الغربي يتحرك في اتجاه آخر. وهذا يفاقم صورة إسرائيل كدولة تتجه إلى عزلة متنامية وتقلص قدرتها على التأثير في السردية الدولية. وفي الداخل الإسرائيلي، جاءت ردود الفعل على نحو متوقع: اتهام الغرب بـ"الاعتراف بالإرهاب" ووصف الخطوة بأنها "جائزة لحماس". لكن براسكي ترى أن هذا الخطاب، وإن كان يخدم الائتلاف الحاكم أمام قاعدته الانتخابية، يبدو في الخارج منفصلا عن الواقع، خصوصاً أن بريطانيا وكندا وأستراليا قدمت خطوتها باعتبارها "إنقاذا لفكرة حلّ الدولتين" لا مكافأة لحماس. وتؤكد المراسلة السياسية أن السبيل الوحيد لإسرائيل لتقليص تداعيات هذه الدينامية هو طرح أفق سياسي بديل: وعلى الأخص، خطوات تدريجية مثل إعادة تفعيل مؤسسات مدنية فلسطينية، ومبادرات اقتصادية، وتعزيز التنسيق الأمني مع السلطة الفلسطينية. وتختم قائلة "أما في غياب مثل هذا المسار، فإن موجة الاعترافات لن تبقى حدثا رمزيا، بل ستتحول إلى اتجاه طويل الأمد يزيد عزلة إسرائيل ويضعف قدرتها على التأثير".
صحف عالمية: الاكتفاء بالاعتراف اللفظي يجعله بلا أثر ولن يفيد الفلسطينيين
تناولت صحف ومواقع عالمية مؤتمر حل الدولتين في نيويورك وما رافقه من اعتراف دول عدة بالدولة الفلسطينية، معتبرة أن الاعتراف اللفظي يبقى خطوة محدودة إذا لم يترافق مع إجراءات عملية توقف الحرب وتمنح الفلسطينيين حماية ودعما ملموسا. في صحيفة "الغارديان" كتبت نسرين مالك أن "الاعترافات الأخيرة تشكل خطوة مهمة، لكنها تظل قاصرة أمام حجم الفظائع التي ارتكبت في غزة من قتل وتجويع وجرائم حرب، ورأت أن الفلسطينيين بحاجة لدعم ملموس لا يقتصر على التصريحات السياسية".
وأكدت الكاتبة أن كلمات رئيس الوزراء البريطاني وغيره من القادة بدت محدودة أمام معاناة الفلسطينيين، معتبرة أن الاكتفاء بالاعتراف الرمزي لن يغير واقعهم ما لم تتبعه خطوات عملية تضع حدا للمأساة الإنسانية في القطاع. وفي "نيويورك تايمز" كتب مصطفى البرغوثي -رئيس المبادرة الوطنية الفلسطينية- أن "الاعترافات الدولية تظل بلا أثر فعلي إن لم تُترجم إلى إجراءات توقف الحرب وتواجه سياسة التجويع والتهجير التي تمارسها إسرائيل بحق الفلسطينيين". وشدد البرغوثي على أن "إسرائيل تعمل منذ عقود على ترسيخ نظام فصل عنصري ودفن حل الدولتين، مؤكدا أن السلام لن يتحقق عبر المؤتمرات والبيانات، بل بضغط دولي حقيقي يشمل العقوبات وحظر السلاح ومحاسبة إسرائيل". وأضاف أن "الشعب الفلسطيني يستحق دعما مماثلا لما قدم للعالم في مواجهة نظام الفصل العنصري بجنوب أفريقيا، وأن الأمن في المنطقة لن يتحقق ما لم تُعالج جذور الظلم ويُضمن حق الفلسطينيين في الحرية وتقرير المصير".
اعتراف مختلف
بينما رأت صحيفة لوموند الفرنسية أن الاعتراف البريطاني يحمل بعدا تاريخيا خاصا، كونه يصدر عن دولة شكلت وعد بلفور منطلقا لتأسيس إسرائيل، ولطالما اشترطت أن يكون الاعتراف بفلسطين نتيجة لمفاوضات سلام، واعتبرت أن هذه الخطوة تمثل تحولا لافتا.
وأضافت الصحيفة أن القرار البريطاني أثار نقاشات داخلية، خصوصا لدى الجناح اليساري في حزب العمال الحاكم، الذي بدأ يطالب الحكومة بالذهاب أبعد من ذلك عبر الاعتراف بارتكاب إسرائيل إبادة جماعية في غزة، وهو تطور يعكس تبدلا في المزاج السياسي البريطاني. أما ليبراسيون الفرنسية فرأت أن الاعتراف الفرنسي ومعه خطوات دول أخرى يأتي في إطار تعطيل إستراتيجية رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، التي تهدف لإفشال حل الدولتين وجر المنطقة إلى حرب مفتوحة بلا أفق. وأوضحت الصحيفة أن مبادرة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أقنعت دولا مثل اليابان وأستراليا وسنغافورة بالانضمام، مشيرة إلى أن الفلسطينيين يواجهون خطرا مزدوجا في الضفة الغربية يتمثل في الجيش الإسرائيلي والمستوطنين الذين يسعون لانتزاع أراضيهم.
بداية حرب طويلة
وحذرت ليبراسيون من أن انتصار المستوطنين لن يكون نهاية الصراع، بل بداية حرب طويلة، إذ سيواصل الفلسطينيون القتال من أجل أرضهم وكرامتهم وتاريخهم، وهو ما يهدد بإطالة أمد العنف لسنوات مقبلة. وركزت "وول ستريت جورنال" على القلق العربي والدولي من خطط ضم الضفة الغربية، مشيرة إلى أن دولا عربية بعثت برسائل سرية تحذر إسرائيل من أن أي خطوة في هذا الاتجاه ستقابل بخفض مستوى العلاقات. وأوضحت الصحيفة أن هذا الموقف ترافق مع حذر أميركي بشأن تبعات الضم على اتفاقات السلام، رغم استمرار الدعم التقليدي الذي تحظى به الحكومة الإسرائيلية في واشنطن. وفي سياق مغاير، تناولت يديعوت أحرونوت التهديدات الأمنية المتصاعدة، محذرة من خطورة انتقال الأسلحة الكورية الشمالية إلى الشرق الأوسط عبر تحالف مع روسيا والصين وإيران وحزب الله، وهو ما يتطلب -وفق الصحيفة- إعادة صياغة العقيدة الأمنية الإسرائيلية. واعتبرت أن بيونغ يانغ لم تعد مجرد ترسانة عسكرية، بل مختبرا يكتسب خبرة عملية في أوكرانيا عبر تزويد روسيا بملايين القذائف والصواريخ، ما يمنحها قدرات متقدمة تهدد أمن إسرائيل بشكل مباشر وغير مسبوق.
مواجهات أمام منزل وزير إسرائيلي ومطالبات بصفقة لإعادة الأسرى من غزة
شهدت مدينتا هود هشارون والقدس الغربية موجة احتجاجات متصاعدة من عائلات الأسرى الإسرائيليين وناشطين خلال اليومين الماضيين، للمطالبة بإبرام صفقة شاملة تضمن إطلاق سراح ذويهم المحتجزين في غزة، وسط اتهامات لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو -المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية لارتكابه جرائم حرب في غزة- بالتضحية بحياتهم من أجل بقائه السياسي. وتظاهر عشرات الإسرائيليين، اليوم قبالة منزل وزير التعليم يوآف كيش، ورفعوا شعارات تطالب بصفقة تبادل أسرى، واحتجوا على اعتقال الشرطة 3 نشطاء خلال مظاهرة في المكان ذاته أمس. وذكرت صحيفة يديعوت أحرونوت أن الشرطة حاولت منع المحتجين من الوصول إلى منزل الوزير، وشوهدت وهي تدفعهم بالقوة، ومن جانبهم اتهم المتظاهرون الوزير بالمسؤولية عن "اعتقالات سياسية".
مظاهرات أمام منزل نتنياهو
وفي القدس الغربية، تظاهر المئات عشية رأس السنة العبرية أمام منزل نتنياهو، ونصبوا مائدة كبيرة في شارع غزة تضم 48 مقعدا فارغا ترمز إلى الأسرى في غزة، بينهم نحو 20 على قيد الحياة. كما أدى المتظاهرون صلوات من أجل عودتهم. ونقلت الصحافة الإسرائيلية شهادات مؤثرة من عائلات الأسرى، إذ قالت والدة أحد الجنود الأسرى إن ابنها "يعيش منذ عامين في جحيم غزة" داعية نتنياهو إلى "الرحمة". ومن جانب آخر تحدث الأسير السابق أوهاد بن عامي عن معاناته السابقة في أنفاق غزة، مشددا على أهمية الدعم الشعبي لعائلات الأسرى. أما يحاي يهود (والد الأسيرة السابقة أربيل) فاتهم نتنياهو بحرمانهم من الأعياد لعامين قائلا "يداك ملطخة بدماء الكثيرين". وتتزامن هذه الاحتجاجات مع تعزيز جيش الاحتلال الإسرائيلي حشوده تمهيدا لاجتياح بري جديد لمدينة غزة، مما يزيد مخاوف العائلات من تعريض حياة الأسرى للخطر. ونصبت العائلات خيمة اعتصام أمام منزل نتنياهو، أخلتها الشرطة مرتين، كما أعلنت العائلات استعدادها للسفر إلى نيويورك للتظاهر أثناء مشاركة نتنياهو باجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة ولقائه الرئيس الأميركي دونالد ترامب. وتشير التقديرات الإسرائيلية إلى وجود 48 أسيرا إسرائيليا في غزة، في حين يقبع نحو 11 ألفا و100 فلسطيني في السجون الإسرائيلية، وسط تقارير حقوقية عن التعذيب والإهمال الطبي. وفي المقابل، أكدت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) أكثر من مرة استعدادها لإتمام صفقة تبادل، سواء جزئية أو شاملة، لكن نتنياهو يواصل رفضه. وتأتي هذه التطورات في ظل استمرار حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، مما خلّف بحسب بيانات فلسطينية موثقة 65 ألفا و344 شهيدًا، و166 ألفا و795 مصابًا، معظمهم من النساء والأطفال، إضافة لمجاعة أودت بحياة 442 فلسطينيًا بينهم 147 طفلًا، وسط اتهامات واسعة لإسرائيل بارتكاب إبادة جماعية بدعم أميركي، متجاهلة قرارات محكمة العدل الدولية والنداءات الأممية لوقف العدوان.