سيريا ستار تايمز

كتف البرهان تتحول إلى أيقونة سودانية.. مئات الجثث أحرقت في الفاشر ومصير مجهول لـ200 ألف شخص


تصدر مشهد احتضان امرأة وبكائها على كتف رئيس مجلس السيادة الانتقالي السوداني، عبد الفتاح البرهان، منصات التواصل الاجتماعي، بعد زيارته لمخيم العفاض في مدينة الدبة، الذي يؤوي آلاف النازحين الفارين من مدينة الفاشر، عقب سيطرة قوات الدعم السريع عليها واندلاع معارك عنيفة في المنطقة.

اللقطة التي انتشرت على نطاق واسع تحولت إلى أيقونة لدى رواد الفضاء الرقمي في السودان. فقد كتب مغردون أن تلك المرأة، وهي تقف أمام القائد، كانت تحمل على كتفيها وجع الفاشر بأكمله: ألم البيوت المحترقة، وصوت الأمهات وهن يرمين الدعاء إلى السماء. البرهان -بحسب وصف المتابعين- اختصر كل المعاني من دون كلمات، ولم يطرح أسئلة، فبعض الألم أعمق من أن يُسأل عنه. لم يكن ذلك مجرد عناق بين قائد ومواطنة، بل كان حضن وطن لأبنائه، وحضن رجل أدرك أن الدموع لا تمسحها الكلمات، بل يبدّدها الثبات.

وأضاف آخرون قائلين "لقد عبرت السيدة بعفوية عن مشاعرها تجاه ما مروا به، ولخصت بصمتها ودموعها حجم المعاناة التي شهدها النازحون من الفاشر، من دون أن تقول كلمة واحدة". ورأى آخرون أن زيارة البرهان لأهالي الفاشر في مدينة الدبة كانت "أكثر من مجرد حدث سياسي؛ كانت رسالة إنسانية ووطنية، وبلسما يداوي جراح الصابرين من أبناء الوطن". أما صوت بكاء النساء، فقد لخص كل الحكاية.

سكان مدينة الأُبيِّض يعبرون عن خشيتهم من هجوم محتمل لقوات الدعم السريع

تتعقد أزمة الفاشر السودانية، وتتكشف أكثر أهوالها المروعة. ورصدنا شهادات حصرية لنازحين من الفاشر وصلوا إلى الدبة شمال البلاد. وقالوا إن قوات الدعم السريع أقامت نقاط تفتيش على الطرق المؤدية لشمال كردفان والولاية الشمالية، مستهدفة مسارات الفارين. وأضافوا أنهم تعرضوا للابتزاز بدفع المال مقابل السماح لهم بالهروب فيما رووا عمليات الاختطاف والقتل.

ففي الفاشر، آخر المدن الكبرى في دارفور التي صمدت لأكثر من عام ونصف، توالت التقارير عن انتهاكات واسعة تشهدها هذه المدينة، حيث مصيرُ مئتي ألف شخص ما زال مجهولًا. وفي السياق، أعلنت شبكة أطباء السودان أن قوات الدعم السريع قامت بجمع مئات الجثث من شوارع وأحياء مدينة الفاشر، وقامت بدفن بعضها في مقابر جماعية وحرقت أخرى بالكامل. وقالت شبكة أطباء السودان، في بيان صحفي اليوم: "في جريمةٍ جديدة تضاف إلى سجل الدعم السريع، شهدت مدينة الفاشر واحدة من أبشع الممارسات اللاإنسانية، حيث قامت الدعم السريع خلال الأيام الماضية بجمع مئات الجثث من شوارع وأحياء المدينة، ثم دفنت بعضها في مقابر جماعية وأحرقت أخرى بالكامل في محاولةٍ يائسة لإخفاء آثار جرائمها ضد المدنيين". وأضافت "إن ما جرى في الفاشر ليس حادثة معزولة بل فصل جديد من جريمة إبادة جماعية مكتملة الأركان، تمارسها الدعم السريع، ضاربةً عرض الحائط بكل الأعراف الدولية والدينية التي تحرّم التمثيل بالجثث وتمنح الموتى حق الدفن الكريم".

وأدانت شبكة أطباء السودان بأشد العبارات هذه الجرائم المروّعة، محملة قيادة الدعم السريع المسؤولية الكاملة عن هذه المجازر. وأكدت أن "هذه الجرائم لن تُمحى بالتستر أو الحرق، داعية المجتمع الدولي إلى "التحرك الفوري والعاجل لفتح تحقيق دولي مستقل في ما يجري بالفاشر". وقالت الشبكة : "لقد تجاوزت الأوضاع في الفاشر حدود الكارثة الإنسانية إلى جريمة إبادة ممنهجة، تستهدف الإنسان في حياته وكرامته، في ظل صمت دولي مخزٍ يرقى إلى التواطؤ". وحذر حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي من أن أي هدنة لا تتضمن حماية المدنيين ومحاسبة المسؤولين عن الجرائم تعني تقسيم السودان. واعتبر أن أي هدنة يجب أن تسبقها إجراءات محددة تشمل انسحاب الدعم السريع من التجمعات السكنية والإفراج عن المختطفين وتأمين عودة النازحين.

في حين استبعد وزير الموارد البشرية السوداني معتصم صالح أي دور مستقبلي لقوات الدعم في الحياة السياسية أو العسكرية، مؤكدا أنها غير مؤهلة لأن يكون لها أي وضع في مستقبل البلاد بعد الجرائم والانتهاكات التي ارتكبتها بحق السودانيين حسب تعبيره. وأضاف الوزير السوداني أن ما حدث في مدينة الفاشر يمثل كارثة إنسانية، وأن عدد الضحايا بعد اجتياح قوات الدعم للمدينة يصل إلى عشرات الآلاف. وكانت قوات الدعم السريع، المنخرطة في حرب دامية مع الجيش السوداني منذ أبريل 2023، قد تمكنت من السيطرة على مدينة الفاشر عاصمة إقليم شمال دارفور أواخر الشهر الماضي. ولاذ عشرات الآلاف من السكان بالفرار عقب سقوط المدينة، ووردت تقارير عن أعمال عنف واسعة النطاق ارتكبتها قوات الدعم السريع. نقلت وكالة الأنباء الفرنسية، شهادات لعدد من سكان مدينة الأُبيِّض عاصمة ولاية شمال كردفان يعبرون فيها عن خشيتهم من هجوم محتمل لقوات الدعم السريع. في الأثناء أعلن الجيش السوداني اعتراض طائرة مسيّرة أطلقتها قوات الدعم السريع على مدينة الأبيض، التي تقع على طريق إمداد رئيسي يربط دارفور بالخرطوم. إلى ذلك، كثّفت لجنة أمن ولاية الخرطوم من تحركاتها الميدانية عبر جولات تفتيش ليلية تهدف إلى تقييم الأداء الأمني وتطبيق قانون الطوارئ لضبط الأوضاع وتعزيز السيطرة على المعابر والمداخل الحيوية. ونفذت اللجنة جولة ميدانية شملت الارتكازات الأمنية الثابتة والمتحركة والمعابر بمحليتي شرق النيل وبحري. كما شددت اللجنة الرقابة على الحركة الليلية باستثناء الحالات الحرجة للحد من أي تحركات غير مصرح بها وتقليص المخاطر المحتملة. من جانبه أكد والي الخرطوم أحمد عثمان حمزة أن قرار حظر التجوال الليلي لا يزال ساريًا من الساعة الحادية عشرة مساءً وحتى السادسة صباحًا، مشيرًا إلى أن هذا الإجراء سيظل معمولًا به حتى إشعار آخر.

سيريا ستار تايمز - syriastartimes,