سيريا ستار تايمز

نيويورك تايمز: ترامب يرتقي بـ الرئاسة الإمبراطورية لمستوى جديد


في عامه الأول بعد عودته إلى البيت الأبيض، وسع الرئيس دونالد ترامب صلاحيات السلطة التنفيذية بشكل كبير، متبنيا مظاهر رمزية ذات طابع ملكي لم تشهدها الحقبة الحديثة في الولايات المتحدة. تناولت صحيفة نيويورك تايمز -في تحليل مطول بقلم كبير مراسلي البيت الأبيض بيتر بيكر- طبيعة التحول الذي طرأ على مؤسسة الرئاسة الأميركية في السنة الأولى من عودة ترامب إلى البيت الأبيض، معتبرة أن ما يشهده النظام السياسي الأميركي اليوم يمثل أقرب ما يكون إلى نموذج "الرئاسة الإمبراطورية" في أكثر صورها جرأة واتساعا منذ تأسيس الجمهورية.
ويرى الكاتب -الذي ألف كتابا عن فترة ترامب الأولى- أن ترامب لم يكتفِ بتوسيع صلاحياته التنفيذية، بل أضفى على منصبه طابعا رمزيا وشخصيا أقرب إلى الملوك منه إلى الرؤساء المنتخبين.
وافتتح الكاتب مقاله بمشهد استقبال ترامب لولي العهد السعودي محمد بن سلمان، حيث تجاوزت مراسم الاستقبال البروتوكول المعتاد إلى استعراض عسكري وفخامة ملكية لافتة، وهو ما يشبه المراسم التي حظي بها ترامب نفسه خلال زيارته لبريطانيا بدعوة من الملك تشارلز.

خلل عميق
ولم يكن هذا التشابه صدفة، بل يعكس -حسب المقال- نزعة متعمدة لدى ترامب لتقمص مظاهر السلطة الملكية، لا في الشكل فقط، بل في الممارسة السياسية أيضا. ويؤكد المقال أن الفارق الجوهري بين ولاية ترامب الأولى والثانية هو غياب القيود، حيث كان في المرة الأولى يفتقر إلى الخبرة السياسية، ويحيط به مستشارون حاولوا كبح اندفاعه، أما الآن فقد عاد بخطة واضحة وفريق من الموالين، واستعداد كامل لاستخدام أقصى ما تتيحه السلطة التنفيذية، بل ويتجاوزها. وقد تجلى ذلك في التوسع غير المسبوق في إصدار الأوامر التنفيذية، وفي إعادة تفسير النصوص الدستورية، وتفكيك مؤسسات وهيئات أنشأها الكونغرس، وفرض إملاءات على مؤسسات خاصة، واستخدام القوات الفدرالية داخل البلاد، فضلا عن اتخاذ إجراءات عسكرية دون تفويض تشريعي، كما يوضح المقال.

ويرى الكاتب أن ترامب لم يكتفِ بتوسيع نفوذ الرئاسة، بل عمل على ربطها بشخصه مباشرة، ويظهر ذلك في التغييرات الرمزية داخل البيت الأبيض، ووضع اسمه وصورته على منشآت حكومية وثقافية، وتحويل عيد ميلاده إلى مناسبة وطنية، إلى جانب استخدامه العلني للخطاب الملكي، سواء بالسخرية أو الاستفزاز، عبر منشورات وصور تظهره كملك متوج.
وقد أحدث هذا النهج سياسيا -كما يرى الكاتب- خللا عميقا في ميزان القوى بين السلطات، إذ بدا الكونغرس ضعيفا أو متواطئا، في حين بدت المحاكم بما فيها المحكمة العليا، أقل قدرة على كبح جماح السلطة التنفيذية، خاصة بعد منح الرئيس حصانة واسعة. ويحذر بيتر بيكر من أن السلطات التي تنتزع نادرا ما تعاد، وأن ما كان يعد صادما في السابق قد يصبح مع الوقت أمرا طبيعيا.

مفارقة لافتة
واستعرض المقال أيضا الانقسام الحاد في النظرة إلى ترامب، حيث يرى فيه أنصاره قائدا قويا لا غنى عنه في زمن يعدونه زمن انحدار، ويعتبرون قبضته الصارمة ضرورية لتفكيك "الدولة العميقة" ومواجهة النخب والمؤسسات الليبرالية. أما منتقدوه فيرونه شخصية نرجسية وخطِرة، استخدمت المنصب لتصفية الخصوم، وإضعاف الديمقراطية، وتحقيق مكاسب مالية ضخمة لعائلته عبر علاقات ومصالح داخلية وخارجية. ورغم هذه الهيمنة، يشير المقال إلى مفارقة لافتة، وهي أن ترامب ظل من أقل الرؤساء الأميركيين شعبية، ولم يحظ يوما بتأييد أغلبية الأميركيين، بل إن نسب قبوله تراجعت إلى مستويات أدنى من معظم أسلافه، إلا أن هذه اللاشعبية لم تترجم مع ذلك حتى الآن إلى قيود حقيقية على سلطته. ويضع الكاتب تجربة ترامب في سياق تاريخي أوسع، مذكرا بأن الرؤساء الأميركيين دأبوا على توسيع سلطاتهم، خاصة في أوقات الحرب والأزمات، من أبراهام لينكولن إلى فرانكلين روزفلت وريتشارد نيكسون. لكن الفارق -حسب مؤرخين- هو أن ترامب لا يعترف بوجود حدود أصلا، ويتعامل مع السلطة كحق شخصي مطلق، مما يؤدي إلى تطبيع ممارسات كانت تعد خرقا خطيرا للنظام الدستوري. وفي ختام المقال يأتي السؤال الحاسم، هل ما نشهده هو إعادة صياغة دائمة لمفهوم الرئاسة الأميركية، أم مرحلة استثنائية ستواجه لاحقا برد فعل مؤسسي وشعبي يعيد التوازن؟ وللرد، يشير الكاتب إلى بوادر مقاومة محتملة من القضاء والكونغرس والانتخابات المقبلة، لكنه يترك الإجابة مفتوحة، مؤكدا أن التاريخ الأميركي يميل إلى تصحيح المسار، وإن لم يكن ذلك مضمونا هذه المرة.

سيريا ستار تايمز - syriastartimes,